ولد سنة(26)ه في الربع من شعبان أبوه علي بن أبي طالب (ع)كتب ألتاريخ عنه بالذهب بطل ألعرب والعجم من بني هاشم إمام معصوم وقائد عظيم آخر الخلفاء ألراشدين .
أمه فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية من ألعرب الأصلاء معروفون بالشجاعة والبطولة والشعر ..أصل عظيم ذاك الذي جعل الأمام علي يوصي أخيه عقيل أن يختار له زوجة بعد وفاة السيدة فاطمة ألزهراء لترعى أبناءه الحسن والحسين وزينب وتلد له أولادا فحولا يكونون عونا لأخوتهم فأختار عقيل لعلي وهو ألمعروف بالنساب فاطمة بنت حزام لعراقة ألنسب والتاريخ لبني كلاب الناصع .
للعباس من أمه وأبيه ثلاث أخوة عبد الله وجعفر عثمان...ولد العباس وسمي في يوم ولادته بالساقي وكان هذا الاسم غير محبب في البدء للسيدة زينب أخت العباس التي حملته لابيها لتبشره بالعباس حتى بين الأمام علي لأبنته ما يكون هذا ألوليد وهذا الاسم ..وهكذا ولد لعلي أبن أسماه ألعباس وكانت العرب تحب أن تسمي أبناءها بأسماء تعبر عن الغضب والشدة والفحولة وهذا ما يعني اسم ألعباس أي ألعبوس والغاضب بوجه الشدائد والخطوب والمحن..ولد للأمام أخ لأبنائه ألحسن والحسين ملازما لأخويه ينهل من أدبهما وشجاعتهما وعلمهما وكرمهما وكان أكثر ملازمته لأخيه ألحسين وكان الإمامين ألحسن والحسين يتشاجران من اجل حمل العباس على عاتقهما وكل واحد يتمنى أن يحمله هو ويلاعبه ..ترعرع في أحضان شريفة مباركة زقت ألعلم من رسول الله و زقوا هم ألعلم لأخيهم ألعباس ..فأبوه أبي تراب وأخواه سيدا شباب أهل ألجنة وأخته ستر ألمخدرات زينب وقدوة ألنساء وبطلة كربلاء ...
في سنواته الأولى بانت عليه ميزات ألحسن والجمال متكامل ألجسم بدت عليه آثار ألشجاعة المكتسبة والأصيلة فهو حامل لجين بني هاشم وبني كلاب ..طويل القامة بعيد مابين ألكتفين مفتول العضل ضخم يركب الفرس المطهم فتخط رجلاه في الأرض حمل السيف وهو غلام عندما جاء إعرابي إلى مسجد الأمام علي ولزيارته أحب الأعرابي أن يهدي له فأخرج من خرجه شيء طويلا ملفوف أزال ألخرق فكانت ألهدية عبارة عن سيف طويل نصيل ثقيل ذات محامل طويلة وفي تلك اللحظات يدخل العباس وكان غلام فأخذ يطيل ألنظر الى ذالك الحسام و نظراته ثارت انتباه الجالسين وتمعنه المستمر بذالك السيف مما جعل الأمام يهدي ذالك ألسيف للعباس والذي لازمه حتى استشهاده سنة (61)للهجرة سمي بأسماء عديدة أولها السقاء وقمر بني هاشم ثم بطل ألعلقمي وكبش الفداء وبطل القنطرة وحامل اللواء العميد حامي ألضعينة وأبو القاسم ..وقيل كان له ابنا يسمى القاسم استشهد في ألطف في ألحملات الأولى لأهل الكوفة .
في طفولته وصباه ركب العباس الخيل ألجو امح وعرف بعناده لترويض أي فرس يصعب تدجينها والركوب عليها فكان يلف يدية على رقبة ألفرس فتغيير به وتصول وتجول وتنثر الغبار وتترك الآثار وتبتعد عن الأنظار وتفر منها ألناس وذالك الغلام ألعلوي متشبث برقبتها وممسك بها حتى تعود الى هدوئها بعد أن أعياها التعب والناس يترقبون عودته وظهوره والفرس من خلف تلال وهضاب ألصحراء ليبشر الناس وتهلل ألنساء وتكبر الرجال لذالك ألغلام وهو لما يتجاوز التاسعة من عمره بعد.. وفي هذا ألعمر كان يتقلد ذالك ألسيف الهدية بعد ان يقصر الإمام محامله ..لم يلعب مع الأطفال اللذين في عمره قط فلقد كان يفوقهم بالقوة والذكاء والجسم وحسن التدبير وجمال الكلام وحفظه للقرآن بعد أن اشتد عوده أصبح كالحارس لأخوته وكان لايجلس معهم احتراما بل أن مجلسه كان عند عتبة المجلس.. جلوسه القرفصاء متأهب لسؤال أخوته وطلبهم منه فكان يقرأ الإشارة والأيماءه والحركة من أخوته وخاصة الحسن والحسين فإذا طلبوا منه شيا يفهمه من إشارتهم وإيماءاتهم فيهرول لتلبية ذالك الطلب وكانت تلك من علامات الذكاء...
اشترك في المعارك التي حدثت في خلافة أبيه وكان احد إبطال معركة صفين وهو أول المبارزين في المعركة وكان من ألمعروف عند العرب وقبل بدأ المعركة يطلب من ألفريقين المبارزة وإخراج إبطالهم فالانتصار في تلك المبارزات يعني رفع الروح المعنوية للفريق ألمنتصر وكسر الروح القتالية للفريق الخاسر في المبارزة..
وفي معركة صفين طلب معاوية من الأمام علي خروج أبطاله للمبارزة أختار الأمام ولده ألعباس وهو شاب وطلب منه عدم إظهار وجهه ولا يعلن اسمه لقوم معاوية خشية ان يرفض من المبارز الأخر وخرج من جانب فريق معاوية أحد أولاد ابي الشعناء وكان فارس معروف آنذاك هو وابنائة فقتل العباس ابنه فخرج ابنه الثاني والثالث والعباس يجندله بسرعة حتى قيل ان الضربة التي يوجهها له لم يلحظها لسرعتها وهو على هذه الحال حتى خرج له ابي الشعناء وكان عابسا غاضبا يرتجز طالبا بثأر أبناءه وقف أمام ذالك ألفارس الملثم وطلب منه معرفة اسمه فلم يجيبه العباس وكرر سؤاله مرات والعباس لم ينتسب ولم يميط اللثام وهنا قال أبي ألشعناء لم أبارزك حتى تجيبني بنسبك وترفع اللثام عن وجهك والقوم منتبهون صامتون كأن على رؤوسهم الطير والأعناق مشرئبة من الطرفين لمعرفة الفارس الملثم والذي يأبا ألانتساب وإزالة أللثام ...وعند هذا ألحد أرسل الأمام علي ابنه محمد ابن الحنفية الى أخيه ألعباس ليرفع اللثام ويجيب ألرجل وعرف عن اسمه ونسبه ورفع لثامه وأرتجز حتى صاح ابي ألشنعاء صيحة سمعها ألقوم في ساحة ألمعركة وهو يقول (ياويلي)طفل يبترني ويقلع أبنائي( والله لأثكل امك وابكي ابيك عليك) فشد عليه ابي الشنعاء وكان غضبه واضحا عليه فاستغل العباس حالته تلك وهوج تصرفه فاستخدم هدوءه ومكر القتال فأسقطه عن جواده بجواده بسرعة وعاجله بضربة علوية واحدة اطار من رأس ابي الشنعاء الجزء العلوي فترنح الرجل وسقط تحت أرجل فرسه ..
وقيل ان تلك المبارزة كانت لها الوقع الكبير في انتصار الأمام علي في معركة صفين بعد ان زرعت الرعب في قلوب القوم وذاع صيت ألعباس وأصبح حديث الرجال والنساء ومؤنس الناس في ليالي الشتاء ..
أما في واقعة ألنهر وان والتي على أثرها سمي العباس باسم (بطل ألقنطرة او بطل ألكنطرة) ( وكبش الفداء) أمر الأمام علي قادته بوضع مجموعة من الفوارس الأقوياء على حافة احد الأنهار وفي المكان الذي كان ضيقا خشية ان يعبر العداء الى قلب ألمعركة وتتغير معادلة القوى بين ألفريقين وكانت هذه خطة الأمام علي لكسب المعركة لكثرة عدد العدو على عدد جنوده ومقاتلي الأمام وكان من بين الفرسان ألواقفين على ألنهر العباس بن علي واحتدمت ألمعركة في ميمنتها وميسرتها والقلب فصاح احد الرجال أن القوم قد عبروا ألنهر فرد عليه ألأمام هل قتل ألعباس فرد علية ألرجل كلا فقال الأمام له إذن لم يعبروا وكرر الرجل صيحته فرد عليه الأمام هل قتل ألعباس فقال ألرجل لا ياأمير المؤمنين فأجاب الأمام علي وبصوت مرتفع قاتلوا ولا تنظروا لقول هذا الرجل ألمنافق( ما يعبر أحد النهر وابن علي مازال على جواده) وكان يقصد الأمام ألعباس وكانت محاولات ألعبور على أشدها لمد ألعدو بالرجال والعدد والعباس يتصدى للقوم بثبات أبيه وشجاعته فكان ما مر به أحد من الأعداء الا مسحه بسيفه او بعجه بعجا ولما انتهت الواقعة توجه الأمام الى ذالك النهر ومعه بعض قادته فوجد الأمام العباس ممتطيا جواده الأطهم يكاد لا يعرف من كثر الدماء على جسمه وأثار الطعنات وثقوب النبال والرماح على بدنه ..وازدادت شهرة ذالك البطل ألهاشمي حتى أصبح حلم فتيات ألعرب لتلد منه السباع وتفتخر بشجاعته التي امتلئت منها أفاق ألصحراء .
وما معركة ألطف الا الدليل ألحي لذالك ألهاشمي ألذي عمل بوصية أبيه وفي أخر لحضاته عندما شج رأسه ابن ملجم بسيفه ألذي اشتراه بألف درهم خمسمائة منها لدهنه بالسم والأخرى للسيف عندما حضرت منية الأمام وجمع أبناءه واوصاوهم وأكمل وصيته لأبنيه ألحسن والحسين كان ألعباس جالسا واضعا رأسه بين ساقيه عند عتبة الغرفة وهو ينحب نحيب الثكالى بلا أنين وصوت وجسمه يرتجف بسب نشيجه اقتربت من الأمام علي أبنته زينب وهي تبكي وقالت له وأنا يا أبي من لي بعدك ولمن ستتركني فالتفت الأمام للعباس وكان العباس في حالته تلك وبصوت خافت يكاد لا يسمع خرج من فم الأمام الشريف لينادي ولدي أبا الفضل قفز ألعباس نحو الأمام وجلس عند رجليه مطأطأ الرأس لبيك ياأمير ألمؤمنين يقولها لأبيه على استحياء مخلوطة بالبكاء فرد عليه الأمام ليأمره أن يجلس بقرب أخته زينب ومسك يده ووضع يد أخته زينب بيد ألعباس وقال له الأمام أوصيك بهذه وازداد البكاء والنحيب ومن تلك الليلة سمي العباس (الكفيل) لتكفله لأخته وأخيه ألحسين ألذي أصبح ألعباس حامل للواء ألحسين في واقعة ألطف ,كان نعم ألأخ المواسي لأخيه والحامي لعياله أنه ألوفاء والأدب العلوي ألذي جعل من هذا الشاب بطل من أبطال ألعرب وذاع صيته بين الأقوام.
العباس بن علي ما سمى إخوته الحسن والحسين بأ سماءهم ولا حتى بألقابهم بل كان يناديهم بسيدي أو مولاي
أما ما آلت لها الأمور في معركة ألطف وموقف العباس ألبطولي ونضاله ضد طغمة بني أمية ووفاءه والثبات على البيعة وإمضاء العهد والوعد وإخلاص الطاعة للنبي والإمام المفروضة طاعته من الله تعالى... ًهذا الخلق النفسي من أميز أخلاقه وأشهر صفاته ولا تقتصر شهرته عن شهرة الشجاعة والإباء هو من شيم الأحرار وشمائل الكرام ومن إمارات المجد ودلائل النجابة وعزة النفس وأحد نتائج الشجاعة التي هي إحدى فضائل النفس وأصولها .. فلقد لازم الأمام ألعباس ألسيدة زينب عند خروج الأمام الحسين إلى العراق إلى ارض الشهادة وكان حامل اللواء ..واللواء هو العلم ألكبير وحامله يعتبر بمثابة وزير ألدفاع او قائد ألجيش وعند وصول ألحسين إلى ارض كربلاء وأحاطت ألقوم بالحسين وأهل بيته وإجباره على النزول في هذه الأرض كان العباس صامتا قليل ألكلام يدور بجواده على ضعن الحسين ويتفقد العيال والأصحاب ويلبي نداء السيدة زينب أخته وعندما اشتد الحصار على ألحسين وأهله ومنعوا من الماء والتاع أبو الفضل العبّاس كأشدّ ما تكون اللوعة ألماً ومحنة حينما رأى أطفال أخيه وأهل بيته وهم يستغيثون من الظمأ القاتل، فانبرى الشهم النبيل لتحصيل الماء، وأخذه بالقوة، وقد صحب معه ثلاثين فارساً، وعشرين راجلاً، وحملوا معهم عشرين قربة، وهجموا بأ جمعهم على نهر الفرات وملئوا قرابهم وشربوا من ماء ألفرات الا العباس لم يشرب من ذالك ألماء قبل الحسين وعند خروجهم من النهر فثار في وجوههم عمرو بن الحجاج ومعه مفرزة من جنوده، والتحم معهم بطل كربلاء أبو الفضل، ونافع بن هلال، ودارت بينهم معركة إلا انّه لم يقتل فيها أحد من الجانبين، وعاد أصحاب الإمام بقيادة أبي الفضل، وقد ملئوا قربهم من الماء. لقد أروى أبو الفضل عطشى أهل البيت، وأنقذهم من الظمأ، وقد منح منذ ذلك اليوم لقب (ساقي عطاشى كربلاء) وهو من أشهر ألقابه، وأكثرها ذيوعاً بين الناس كما أنّه من أحبّ الألقاب وأعزّها عنده.. وزحفت طلائع الشرك والكفر لحرب الحسين في عصر الخميس لتسع خلون من شهر محرم، بعد أن صدرت إليهم الأوامر المشدّدة من ابن مرجانه بتعجيل القتال وحسم الموقف خوفاً من تبلور رأي الجيش وحدوث انقسام في صفوفه، وكان الإمام محتبياً بسيفه أمام خيمته اذ خفق برأسه، فسمعت شقيقته السيدة زينب أصوات الرجال، وتدافعهم نحو أخيها، فانبرت إليه فزعة مرعوبة، فا يقظته، فرفع الإمام رأسه فرأى أخته مذهولة، فقال لها لبيك يا سيدتي فقالت له أدرك أخيك فهب من موضعه ذاك إلى أخيه فقال له:أتاك القوم وطلب الإمام منه أن يتعرّف على خبرهم قائلاً:
(اركب بنفسي أنت يا أخي، حتى تلقاهم، فتقول لهم: ما بدا لكم، وما تريدون؟..).
لقد فدى الإمام أخاه بنفسه، وهو مما يدلّ على سموّ مكانته، وعظيم منزلته، وأنه قد بلغ قمّة وأعلى مراتب الإيمان،وأعلى مراتب المتقين… وأسرع أبو الفضل نحو الجيش، ومعه عشرون فارساً من أصحابه، ومن بينهم زهير بن القين، وحبيب بن مظاهر، وسألهم أبو الفضل عن سبب زحفهم، فقالوا له(جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه، أو نناجزكم..) عرض أبو الفضل مقالة القوم على أخيه، فقال له:
(ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة لعلّنا نصلّي لربّنا هذه الليلة، وندعوه، ونستغفره فهو يعلم أنّي أحبّ الصلاة، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار..). فاستجاب ابن سعد إلى تأجيل الحرب، وأوعز إلى رجل من أصحابه أن يعلن ذلك، فدنا من معسكر الإمام ورفع صوته قائلاً:
(يا أصحاب الحسين بن علي قد أجّلناكم يومكم هذا إلى غد فإن استسلمتم ونزلتم على حكم الأمير وجّهنا بكم إليه وإن أبيتم ناجزناكم.. وأرجئ القتال إلى صبيحة اليوم العاشر من المحرّم، وظلّ جيش ابن سعد ينتظرون الغد هل يجيبهم الإمام أو يرفض ما دعوه إليه.وفي أليوم العاشر من المحرم ألحرام وتوغل ألنهار والناس بين بين قائم وقاعد وساجد وراكض وملبي وذاهب وارض المعركة بانت صفاتها ويوم ألنزال وزهق الأرواح عرف وقتها ..واذا بصوت من قوم ابن زياد ينادي ...اين ابناء أختنا ؟وعرف الناس صوت الشمر بن ذي الجوشن وكان انذاك من قادة عمر ابن سعد وكان يطلب ألعباس وأخوته ولوجود صلة قرابة بينه وبين ام العباس السيدة فاطمة الكلابية ..فلم يجبه احد وكان ألعباس قد شغل نفسه عنه ,,ونادى ثانية اين أبن أختنا؟..فطلب الحسين من ألعباس ان يجيبه ولو كان فاسقا ,,خرج له ألعباس من بطن ألحشد ليجيبه ..ماتريد يبن الجوشن؟ واذابابن الجوشن يخبره ان الأمير قد امنه وامن اخوته فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين وألزموا طاعة يزيد..فقال له العباس لعنك الله في الدنيا والآخرة اتامننا وابن بنت رسول الله لا امان له تبت يداك وقاتلك الله ...واشتدت ساعة الوغى وتبارزت الرجال وبدأت المعركة وسقط الرجال في ساحة المعركة يجودون بأنفسهم عن الحسين وكان كل شهيد يسقط من أنصار الحسين او من ال عقيل او من أبناء ألحسين يزيد درجات الغضب والثار لدى العباس ويتوعد الوم بالويل والثبور من سيفه البتار وكان العباس ضليع في ألشد على معسكر الأعداء ونتيجة لخبرته ألقتالية وقوته وتاريخه وسمعته بين الأمصار كفارس مغوار لايشق له غبار ..طلب العباس من أخوته بعد ان ضاق صدره من القوم طلب منهم ان يقاتلو اعداء الله ورسوله بقوله لهم(تقدّموا يا بني أمّي حتى أراكم نصحتم لله ولرسوله، فإنه لا ولد لكم..) واستجاب السادة أخوة العباس إلى نداء أخيهم فهبّوا للجهاد، ووطّنوا نفوسهم على الموت دفاعاً عن أخيهم ريحانة رسول الله ووقف أبو الفضل على أشقّائه الذين مزّقت أشلاءهم سيوف الأعداء فجعل يتأمّل في وجوههم المشرقة بنور الإيمان، وأخذ يتذكّر وفاءهم، وسموّ آدابهم، وأخذ يذرف عليهم أحرّ الدموع، وتمنّى أن تكون المنيّة قد وافته قبلهم، واستعدّ بعد ذلك إلى الشهادة، والفوز برضوان الله. ولما رأى أبو الفضل (عليه السلام) وحدة أخيه، وقتل أصحابه، وأهل بيته الذين باعوا نفوسهم لله انبرى إليه يطلب الرخصة منه ليلاقي مصيره المشرق فلم يسمح له الإمام، وقال له بصوت حزين النبرات:
(أنت صاحب لوائي..).
لقد كان الإمام يشعر بالقوّة والحماية ما دام أبو الفضل فهو كقوة ضاربة إلى جانبه يذبّ عنه، ويردّ عنه كيد المعتدين، وألحّ عليه أبو الفضل قائلاً:
(لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين، وأريد أن آخذ ثأري منهم..).
لقد ضاق صدره، وسئم من الحياة حينما رأى النجوم المشرقة من أخوته، وأبناء عمومته صرعي مجزرين على رمضاء كربلاء فتحرّق شوقاً للأخذ بثأرهم والالتحاق بهم.
وطلب الإمام منه أن يسعى لتحصيل الماء إلى الأطفال الذين صرعهم العطش فانبرى الشهم النبيل نحو أولئك الممسوخين الذين خلت قلوبهم من الرحمة والرأفة فجعل يعظهم، ويحذّرهم من عذاب الله ونقمته، ووجّه خطابه بعد ذلك إلى ابن سعد:
(يابن سعد هذا الحسين بن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، قد أحرق الظمأ قلوبهم، وهو مع ذلك يقول: دعوني أذهب إلى الروم أو الهند، وأخلّي لكم الحجاز والعراق..).
وساد صمت رهيب على قوّات ابن سعد، ووجم الكثيرون، وودّوا أن الأرض تسيخ بهم، فانبرى إليه الرجس الخبيث شمر بن ذي الجوشن فردّ عليه قائلاً:
(يابن أبي تراب، لوكان وجه الأرض كلّه ماءً، وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد…).
لقد بلغت الخسّة، ولؤم العنصر، وخبث السريرة بهذا الرجس إلى مستوى ما له من قرار... وقفل أبو الفضل راجعاً إلى أخيه فأخبره بعتوّ القوم وطغيانهم، وسمع فخر عدنان صراخ الأطفال، وهم يستغيثون، وينادون:
(العطش العطش..).
ورآهم أبو الفضل قد ذبلت شفاههم، وتغيّرت ألوانهم، وأشرفوا على الهلاك، من شدّة العطش، وفزع أبو الفضل، وسرى الألم العاصف في محيّاه، واندفع ببسالة لإغاثتهم، فركب فرسه، وأخذ معه القربة، فاقتحم الفرات، فانهزم الجيش من بين يديه، واستطاع أن يفكّ الحصار الذي فرض على الماء، فاحتلّه، وكان قلبه الشريف كصالية الغضا من شدّة العطش، فاغترف من الماء غرفة ليشرب منه، إلا أنه تذكّر عطش أخيه، ومن معه من النساء والأطفال، فرمى الماء من يده، وامتنع أن يروي غليله، واتجه فخر هاشم مزهواً نحو المخيم بعدما ملأ القربة، وهي عنده أثمن من حياته، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً فقد أحاطوا به من كلّ جانب ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأشاع فيهم القتل والدمار وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب، فقد ذكرهم ببطولات أبيه فاتح خيبر، ومحطّم فلول الشرك، إلا أن وضراً خبيثاً من جبناء أهل الكوفة كمن له من وراء نخلة، ولم يستقبله بوجهه، فضربه على يمينه ضربة غادرة فبراها، لقد قطع تلك اليد الكريمة التي كانت تفيض برّاً وكرماً على المحرومين والفقراء، والتي طالما دافع بها عن حقوق المظلومين والمضطهدين، ولم يعن بها بطل كربلاء ولم يبعد العباس قليلاً حتى كمن له من وراء نخلة رجس من أرجاس البشرية وهو الحكيم بن الطفيل الطائي فضربه على يساره فبراها، وحمل القربة بأسنانه - حسبما تقول بعض المصادر - وجعل يركض ليوصل الماء إلى عطاشى أهل البيت(عليهم السلام) وهو غير حافل بما كان يعانيه من نزف الدماء وألم الجراح، وشدّة العطش، وكان ذلك حقّاً هو منتهى ما وصلت إليه الإنسانية من الشرف والوفاء والرحمة… وبينما هو يركض وهو بتلك الحالة إذ أصاب القربة سهم غادر فأريق ماؤها، ووقف البطل حزيناً، فقد كان إراقة الماء عنده أشدّ عليه من قطع يديه، وشدّ عليه رجس فعلاه بعمود من حديد على رأسه الشريف ففلق هامته، وهوى إلى الأرض، وهو يؤدّي تحيّته، ووداعه الأخير إلى أخيه قائلاً:
(عليك منّي السلام أبا عبد الله...). وحمل الأثير محنته إلى أخيه فمزّقت قلبه، ومزّقت أحشاءه، وانطلق نحو نهر العلقمي حيث هوى إلى جنبه أبو الفضل، واقتحم جيوش الأعداء، فوقف على جثمان أخيه فألقى بنفسه عليه، وجعل يضمخه بدموع عينيه، وهو يلفظ شظايا قلبه الذي مزّقته الكوارث قائلاً:
(الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمت بي عدوي...).
وجعل إمام الهدى يطيل النظر إلى جثمان أخيه، وقد انهارت قواه، وانهدّ ركنه وتبددت جميع آماله، وودّ أن الموت قد وافاه قبله وهكذا قدم العباس بن علي روحة الى بارئه وفاءا لدين محمد وانتصارا للاسلام متذكرا وصية أبيه ألامام علي وهو يجود بنفسه وقد قطعوا جسده الشريف بحقد العصبية والجاهلية الاولى وبغضا بابيه علي بن ابي طالب ... فسلام عليك يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيّاً.